قصة الإيطالي الضائع في صحراء المغرب

تعتبر الصحراء المغربية جزءا من الصحراء الكبرى في شمال إفريقيا، إلا أن الصحراء المغربية لا طالما كانت محط الأنظار سواء السياسية أو حتى السياحية لما تتمتع به من مناظر خلابة، وكذا طبيعة رمالها المميزة عن باقي صحاري العالم وذلك بشهادة أقوى مخرجي هوليوود، حيث أنها سبب مباشر في تفظيلهم لمدينة ورزازات لتصوير أفلامهم، لكن الإنجذاب لا يقف عند هذا الحد حيث ان هناك عدة تظاهرات دولية ومحلية تقام فوق هاته الأراضي كرالي دكار وغيره، ولكن قصتنا ستركز على ماراثون الرمال أو ما يسمى ب ماراثون “دي سابل” بالفرنسية، وقد كان هذا الماراثون فكرة فرنسية تبلورة على يد “باتريك باور” والذي اجتاز الصحراء الكبرى سنة 1984 سيرا على الأقدام وحيدا، ويقام هذا السباق متعدد الأيام كل عام في جنوب المغرب ، في الصحراء الكبرى. قصة الإيطالي الضائع في صحراء المغرب
سباق ليس له مثيل للإيطالي
لقد تم اعتباره أصعب سباق مشاة على وجه الأرض. بدأ الحدث الأول للماراثون في عام 1986. وتطور إلى أن أصبح من أقوى الماراثونات الدولية التي تجذب الكثيرين من هواة المغامرة. ويعد بطل قصتنا واحدا منهم إسمه ماورو بروسبيري وهو ضابط شرطة إيطالي كان معروفا بلياقته البدنية العالية. وقد كان ماورو ينجذب لكل ما يجعله يطور من قدراته ويعزز لياقته. وقد كان ماراثون الرمال محطة مغرية لذلك، فتقدم للإنخراط في السباق، واستعد ماورو جيدا للسباق حيث أنه كان يكرض بين 30 إلى 40 كيلومتر يوميا، مع تقليل نسبة المياه تدريجيا ليعود نفسه على أجواء السباق والصحراء، وفي أبريل سنة 1994 توجه ماورو للمغرب من أجل مغامرة لم يكن يعلم أنها ستكون الأسوأ. قصة الإيطالي الضائع في صحراء المغرب.

بدأ ماورو السباق في ظروف جيدة. حاملا وراء ظهره حقيبته التي تتوفر على الحاجيات الأساسية لإتمام السباق من ماء، أكل، ومعدات طوارئ. و خلال الأيام الأولى للسباق قطع ماورو بروسبيري أكثر من 90 كيلومتر من مسافة الماراثون. وبعد مغادرته لنقطة العبور الرابعة. والتي تعتبر من أصعب مراحل السباق التي تبلغ مسافتها 85 كيلومتر تقريبا. قرر ماورو أن يختصر السباق ويخرج عن المسار الرئيسي للماراثون. وكان بين الفينة و الأخرى يخرج عن المسار الرئيسي ويعبر بين هضاب صحراوية.
إلى أن هبت وبدون سابق انذار ريح قوية حجبت عنه الرؤية. ومع سرعة الرياح القوية لم يجد ماورو ملجأ أمامه سوى مواصلة الركض لكي لا تغمره الرمال ويدفن حي. واصل ماورو الركض بدون وجهة، وبعد 8 ساعات توقفت الرياح وكأن شيئا لم يكن. نظر بروسبيري ولم يجد سوى نفسه والرمال التي ملأت جسده بالخدوش. وقد كانت الشمس على وشك المغيب فقرر أن ينام ويكمل السباق في اليوم الموالي. ميقنا أنه سيجد متسابقين يقدمون له يد العون، الشيء الذي لم يحدث. فبعد ساعات من الركض لم يرى أي علامة تدل على متسابقين، فبدأ يدب في خاطره الخوف شيئا فشيئا.
فرصة النجاة قصة الإيطالي الضائع
فجأة رأى مروحية متقدمة في اتجاهه، فبدأ يصرخ بكل قوته، لكن لم يجد أي تجاوب معها. حاول إشعال شعلة الطوارئ، لكنها كانت رديئة ولم تعمل بالشكل اللازم. ومن ثم شعر أنه في خطر حقيقي لأن المروحية التي مرت غالبا كانت تبحث عنه والأن تعتقد انه ليس في ذلك المكان، وأدرك أن المروحية كانت فرصته الأخيرة، فانطلق في الصحراء بدون هدف إلى أن نفذ منه الماء، واصبح يشرب مخرجاته كي يعيش، وقد تدهورت حالته لدرجة أن بعض الطيور الجارحة حلقت فوق رأسه اعتقادا منها أنه سيموت في أي لحظة، لكنه قاتل من أجل البقاء رغم معاناته وعطشه وجوعه ولم يستسلم، إلى أن بدأ يترامى في نظره أحد البنايات القديمة.
وصل إليها، دق الباب ولا من مجيب، فتح الباب واذا به يجد الظلام الحالك. لكنه مافتئ حتى لاحظ أصواتا تصدر من سقف البناية. رمق السقف ثم رأى عشرات الخفافيش معلقة وتنظر إليه، بجوعه وعطشه أمسك أحد الخفافيش واقتلع رأسه وطحن أمعائه ثم شربها وأكل لحمه. وكرر هذه العملية عدة مرات ليبقى على قيد الحياة، وأثناء ذلك سمع صوت طائرة قادمة في اتجاهه فأدرك أنها فرصة لاتتكرر، اجمع قواه وأضرم النار في كل أمتعته ليضمن أكثر كثافة دخانية يمكنه الحصول عليها لتراه الطائرة، وفعلا ذلك ما كان وخرج دخان كثيف ملاحظ، لكن القدر كان له رأي آخر وذلك بهبوب ريح عاصف أتلف حريقه وبعثر الدخان الذي كان أخر خيوط نجاته. قصة الإيطالي الضائع في صحراء المغرب.

آخر اللحظات قصة الإيطالي الضائع
رأى ماورو أنه لاجدوى من مواصلة المحنة، فقد الأمل وانهمر بالبكاء، فقرر قتل نفسه والخلاص من هذا العذاب. لكن قبل ذلك أراد أن يكتب وصيته في حال تم إيجاد جثنه، وعلى حائط المبنى كتب رسالة لعائلته. أمسك سكينه وفتح عروق يده ثم فقد وعيه، وفي صبيحة اليوم الخامس من محنته أبا القدر إلا أن يصنع خططا جديدة لماورو وتدخلت البيولوجية لإنقاذه هذه المرة، استيقظ فوجد نفسه حيا يرزق، فبعد خمسة أيام من نقص مفرط في الماء أصبح دمه ثقيلا وتكبد بسرعة عند الجرح فشكل ضمادة طبيعية أنقذت حياته.
هاته المرة أدرك أنه بعد كل ماحدث لم يكن مقدرا له الموت، ورجع الأمل مرة أخرى، رغم أنه لم يتغير شيء في وضعيته لكن نفسه صاغت الأمل من أجل البقاء، فقرر أن يجمع شتات نفسه ويخزن عددا من الخفافيش معه، وأن يتحرك في الليل ويرتاح في النهار ليحافظ على كمية الماء والرطوبة داخل جسمه لأطول فترة ممكنة، أنهى مخزونه من الخفافيش وانتقل إلى جدوع الشجيرات الصحراوية لسد جوعه وباعتبار أن هذه الجدوع تتوفر على نسبه صغيرة من المياه، جعتله يبقى حيا بالإضافة إلى بعض الحشرات التي يصطادها.
عودة الأمل للضائع في صحراء المغرب
وفي اليوم الثامن رأى واحة بعيدة لكنه ظن في الوهلة الأولى أنه مجرد سراب، رغم ذلك واصل المضي قدما في طريقه لأنه الأمل الوحيد لديه، إلى أن وصل وتأكد أنها واحة حقيقية وليست سراب، هرولة إلى الماء وشرب بلهف حتى امتلئ لكنه مافتئ حتى استفرغ ذلك الماء، لأن ذاته لم تتعود بعد على شرب الماء بكمية كبيرة، جلس هناك وشرب ببطء حتى يرجع تعوده على الماء، وفي اليوم الموالي لاحظ ماورو آثر ماعز في جانب الواحة وأدرك أن البشر قريبون من تلك المنطقة، جال في جوانب الواحة إلى أن ارتمت عيناه على طفلة صغيرة، ما إن رأته حتى خافت وهربت منه وذلك لمظهره المخزي، لكن لحسن الحظ أنها تركت آثار أقدام خلفها، تبع الأثر إلى أن وجد خياما، وجد فيها فقط النساء، لكنهن اعتنوا به وأطعموه، وهنا ظن ماورو أنه نجى لكن الحقيقة أن أكبر مخاوفه قادم. قصة الإيطالي الضائع في صحراء المغرب.

لما جاء رجال الخيم رأوه فارتعبوا من مظهره، حملوه فوق جمل إلى أقرب قرية، وعند الوصول وجد عسكريين في سيارة تابعة لقوات الجيش ومسلحين ينتظرونه، ركب معهم وأغمضوا عينيه فارتعب ماورو وحسب قوله أن هاته اللحظة كانت أكثر ما أرعبه في مسيرته، وظن أنه رهينة لأحد المليشيات المسلحة، لكن بعد اسجوابه عرف أنه تم اعتقاله من الجيش الجزائري لاعتقادهم أنه جاسوس من نوع ما، فقد قطع الحدود المغربية الجزائرية خلال تواهنه، لكن بعد مدة تأكد الجيش أنه هو ذلك المتسابق الذي اختفى في ماراثون الرمال وهو نفس الشخص الذي تحدث عنه الإعلام طيلة مدة إختفاءه، فأكرموه وأطعموه حتى تحسن حاله ورجع ماورو إلى إيطاليا لعائلته وأصدقاءه، وما كان مثيرا أن ماورو كرر مشاركاته في ماراثون الرمال أكثر من 9 مرات اختلفت مراكزه في كل واحدة، وما كان ملهما في قصته أنه وصل لآخر الطريق لكنه لم يستسلم وحث نفسه على المضي قدما إلى أن وجد الطريق.
المصادر : 1
اترك تعليقاً