سيدي عبد الرحمان المجدوب، إرث ثقافي ورجل كان له من الحكمة الشيء الغزير

سيدي عبد الرحمان المجدوب. ينحدر الشيخ عبد الرحمان المجذوب من أسرة مغربية كبيرة، معروفة بالتقوى و الصلاح. كانت تقطن برباط عين الفطر ، بساحل بلدة أزمور، رحل هو ووالده إلى نواحي مدينة مكناس في طفولته. وكان دائم التنقل بين المدن و القرى، ينشر العلم والمعرفة. إلى أن حل به مرض عضال، يعتبر شخصية مغربية شهيرة و محبوبة حتى يومنا هذا. و أمثاله الشعبية متداولة في جميع أنحاء بلاد المغرب العربي. هو من مواليد 909 هـ / 1503م. توفي في 1568م، أصل المجدوب من تيط، وهي قرية توجد بقرب أزمور. التي هي في شمال مرسى الجديدة، على ساحل المحيط الأطلسي، ثم انتقل إلى مكناس. إحدى كبريات مدن المغرب الأقصى، وهي واقعة على مسافة 60 كيلومترا من مدينة فاس. وفيها القصور الفاخرة والبنايات العظيمة، من عصر السلطان مولاي إسماعيل العلوي.
نرقد على الشوك عريان..اونضحك للي جفاني نصبر لتعوس الأيام..حتى ياتي زماني
من أشعار المجذوب
طفولته و تعليمه
تشير العديد من المصادر إلى أن المجذوب تتلمذ على أيد العديد من الشيوخ، ففي مؤلف “الروض العطر الأنفاس بأخبار الصالحين من أهل فاس”، نجد إشارة مفصلة بهذا الخصوص، مما جاء فيها، “أخذ الشيخ سيدي عبد الرحمان المجذوب تبركا، واستفادة، وانتفاعا، من عدة من المشايخ، وخدمهم وتربى بهم وتأدب وتهذب”.
وقد كان عبد الرحمان بن الشيخ الولي عياد، الذي لقب بـ”المجذوب”، متصوفا وحسب ما يتضمنه مؤلف “معلمة المغرب”، فإن “الشيخ المجذوب يمثل جانب تصوف الجذب، الذي ميز متصوفة القرن العاشر الهجري”.
لقب المجدوب أطلقه عليه أهل زمانه، وبقي معروفا به إلى الآن، نظرا لسيرته في حياته، فكان “كما تصوره كتب التاريخ” صوفيا زاهدا في الدنيا، وساح في البلاد للوعظ والإرشاد، وعاش غير مبال بالمال ولا الجاه، متنقلا من مكان إلى مكان، ليس له مأوى يستقر به على الدوام، وهو بلباس بسيط. الأهم من ذلك، كان يداوم على إقامة الشعائر الدينية، والفروض الشرعية، وتأدية الحقوق، وعدم الإخلال بشيء منها.
المجدوب شخصية كاريزماتية بامتياز
ظهر أثناء حكم الدولة السعدية في المغرب، كانت شخصية المجذوب مثيرة للجدل، فهناك من يعتبره من أولياء الله الصالحين المتصوفين صاحب الكرامات، و هذا ما كان يقولوه مريدوه يهمه رضا الله سبحانه وتعالى، ويخلص في عبادته ولا يكترث لخلقه، و هناك من يربطه بالمجاذيب، أي الفقراء و المساكين. بل هناك منهم المجانين كذلك، فهو لم ينعزل في زاوية بين مريديه، بل كان ينتقد الأوضاع الاجتماعية و السياسية الخاطئة في البلاد، وينتقد تجار الدين، و من يعبد المال، ويخضع للظلم و الاستبداد، كما كان يزور كافة البلدان المغربية وينشر الصلاح و العلم، فقد كان رحمه الله شخصية تجمع بين العلم و التصوف و مواجهة جبروت السلطة بحزم وشجاعة.
لقبه عامة الناس بالمجذوب، لأنه كان صوفيا زاهدا في الدنيا، وكان غير مبال بالمال ولا الجاه، لباسه بالي و بسيط للغاية، وكان يداوم على إقامة الشعائر الدينية، والتقرب من الله عز وجل طيلة فترات حياته، كان له أهل، واكثر من زوجة وأولاد، وزاوية يطعم فيها الطعام للمقبلين عليها، من الغرباء، وأبناء السبيل، و الفقراء وغير ذلك.
بالإضافة إلى ذلك، وصفته عدة مصادر بـصاحب الكرامات. ففي مؤلف “معلمة المغرب” نجد وصفا له محالا على “صاحب ممتع الأسماع”، يقول عنه “العظيم القدر، المحقق الشهير ذكره في الخلق، العارف الكبير الكامل المحقق الخطير الواصل أعلى المقامات…قطب زمانه في الأحوال وممد فحول الرجال، شيخ وقته وأعجوبة دهره ونخبة عصره”.

أقواله و إرثه التاريخي
تذكر كتب التاريخ أن الشيخ المجدوب كان له أهل وأولاد وزاوية يطعم فيها الطعام للواردين عليها من الغرباء وأبناء السبيل وغيرهم. علاوة على ذلك، كان يُجري على لسانه كلاما موزونا وملحنا يأتي على نسق أهل الشعر وأوزانهم الشعرية. كذلك، يحفظ الناس كثيرا منه ويتبادلونه بينهم في مجامعهم وأذكارهم، وقد اشتمل على حقائق وإشارات سنية وعبارات ذوقية يفهمها الذائقون، ويعترف بغور مغزاها العارفون. كذلك، أمور غيبية من الحوادث والقضايا الاستقبالية، وقد وقع كثير مما أخبر وأشار إليه.
أقوال سيدي عبد الرحمان المجدوب في النساء
شكلت المرأة مادة دسمة للمجدوب في رباعيات عبد الرحمان المجذوب، حيث جعلها تلبس ثوب المكيدة و الخديعة، حتى أضحت أقواله عن النساء صورا نمطية يستدل على مصداقيتها من بعض الوقائع التي تحدث في الحياة اليومية خاصة علاقة المرأة بالرجل، وتصبح بذلك قواعد ذهبية مترسخة في أذهان العديد من الأشخاص سواء من الرجال أو النساء.
بُهْتْ النّسَـــاء بُهْتــــِين ْمَنْ بُهْتْهُمْ جِيـــتْ هَــارَبْ… يْتْحَزْمُوا بالأفـــاعــــي ويتْخََلََّوا بالـــعــــقــــارب
والمعنى: أن النساء لهن حيل كثيرة لكي يصلن لمرادهن وأغراضهن، لدرجة أنه بمقدورهن اتخاذ الأفاعي أحزمة والعقارب خلاخل.
سُوقْ النْسَا سُوقْ مَطْيَارْ يَــا الدَّاخَـلْ رَدّْ بَالَـــكْ… يْوَرِيوْكْ مَنْ الرَّبْحْ قَنْطَارْ وْيْدِيوْ لَكْ رَاسْ مَالَكْ
يحذر عبد الرحمان المجذوب من الدخول كشريك مع المرأة في عمل ما لأن نتيجته هو الخسارة. و يقول إن النساء يوهمون الرجل بالربح ثم يستولون على رأس ماله.
مَنْ زِينْ النّْسَا بْضَحْكَاتْ لُو كَانْ فيها يْــدُومُوا… الحُوتْ يْعُومْ فِي الْـــــمَا و هُومَا بْلَا مَا يْعُومُو
ضحكات النساء جميلة و لكنها تنتهي بانقضاء المصلحة، فالمرأة لا تضحك إلا لتحقيق غاية ما. كذلك، يقول المجدوب إن النساء أكثر مهارة من الأسماك في السباحة لأنهن يسبحن بدون ماء.

وفاة سيدي عبد الرحمان المجدوب رجل بصم اسمه بحروف من ذهب في تاريخ المغرب
حيث توفي سيدي عبد الرحمان المجدوب عام 1569، ما يعني أنه عاش 63 عاما، في “بلاد الهبط”. كذلك، تشير كثير من المصادر إلى أنها الاسم الذي كان معروفا لمنطقة في الريف المغربي.
غير أنه وبوصية منه تم حمل جنازته إلى مكناس. كذلك، تشير “معلمة المغرب” إلى أنه “دفن خارج باب عيسى “وأن “ضريحه اليوم يوجد داخل حرم ضريح السلطان مولاي إسماعيل وقد بنى قبته تلميذه أبو المحاسن يوسف الفاسي”.
في الختام، ترك سيدي عبد الرحمان المجدوب ديوانا جمع فيه رباعياته التي هي عصارة لتجاربه و مساره في مدرسة الحياة. لذلك، هي أبيات زجلية تتخذ شكل الحكاية الشعبية يصف فيها حال الدنيا و الناس و الزمان. ورغم أنها نظمت في القرن السادس عشر و لكنها ما تزال حاضرة بقوة في الثقافة الشعبية المغربية خاصة و المغاربية عامة حتى الآن ، لما تختزنه من صور و قواعد أخلاقية و علاقات اجتماعية لم ينل منها الدهر.
المصادر 1. 2. 3.
اترك تعليقاً